من أهالي القصرين الى المدّعي العامّ بمحكمة الجنايات الدّوليّة

التّقرير موضوع الدّعوى الى محكمة الجنايات الدّوليّة

نحن أبناء وبنات ولاية القصرين ، نؤكد معرفتنا التّامّة بمعاناة هذه الولاية وأهلها منذ دولة الاستقلال الى اليوم ، ورغم تعاقب الحكومات ، فقد تعاقب عليها التهميش والتجويع حتى صار سياسة ومنهجا مقصودا ومدروسا ، ورغم ما تحتكم عليه هذه الولاية من مقدّرات طبيعية وبشرية ومن كلّ مقوّمات التنمية المستدامة الّا أنّها لا زالت تعاني أسوء أنواع التهميش ولازال أهلها يعانون أفظع أشكال الحرمان والاحتقار والتجويع ورغم الثروة الغابيّة الأكبر والمساحة الأكبر والثروة المائيّة الأنقى والموادّ الأوّلية المتوفّرة بأنواعها واحتكامها على 40 بالمائة من الثروة الأثريّة ورغم تاريخها الكبير ، فسبيطلة كانت عاصمة الشّمال الافريقي في العهد البيزنطي وحضارة القصرين امتدّت الى 7000 سنة قبل الميلاد الى الحضارة القبصيّة وقد اشتهرت بها مدن كثيرة في العهد الرّوماني مثل سفيطلة وأميدرة وتلابت والسليوم وغيرها ، ورغم امكانيّات الاستثمار في المجال الفلاحي والصّناعي والسّياحي ورغم مواقف أهلها الوطنيّة فكانت أرض الثّورات دائما من ثورة على بن غذاهم 1864 الى ثورة تالة 1906 الى ثورة الخبز 1984 الى ثورة الاطاحة بالدّيكتاتوريّة ...
فانّ القصرين مازالت الأولى في معدّلات الهجرة السلبيّة والتسرّب المدرسي ومعدّلات الأمراض ومنها أمراض الكلى و 10 بالمائة من السّكّان مازالوا يتزوّدون بالمياه من مصادر غير مراقبة ومحميّة رغم كون القصرين تزوّد ولاية صفاقس ذات المليون نسمة بنصف احتياجاتها من الماء الصّالح للشراب ، وهي الأولى في معدّلات البطالة ومازالت الأخيرة في مؤشرات التنمية والبنية التحتيّة والاستثمار وترتيب معتمديّتي العيون وحاسي الفريد 266 و 267 في سلّم التنمية من جملة 267 معتمدية بالجمهوريّة التونسية ، ولاية القصرين بـ 480 ألف نسمة يعيشون في مغلبهم على التهريب والانتصاب الخاص رغم الأداء المخيّب لبنك التّضامن الوطني وبقيّة مؤسّسات الاقراض أمام التعقيدات الاداريّة وبقاء 50 من المائة من الأراضي الفلاحيّة بلا تسوية قانونيّة لرفض الحكومات المتعاقبة اغلاق الملفّ وتمكين الفلاحين من أراضيهم ، الولاية بلا مركّبات سياحيّة و جامعيّة و صحّية ولا طريق سيّارة أو بنية تحتيّة أو خطوط الضغط العالي للكهرباء التي تنعدم في 8 معتمديّات من جملة 13 وهي المقوم الأساسي للاستثمار اضافة الى ظلم مجلّة الاستثمار نفسها اذ تصنّف ولاية القصرين بنفس درجة الامتياز مع مناطق تقع على الموانئ البحرية والجوّيّة زيادة على كون الولاية أصلا لا تتمتّع باستقلاليتها الاداريّة مثل بقية الولايات ففي مجال المالية والاتّصالات تابعة لولاية قفصة وفي التعليم العالي لولاية القيروان وفي مجال الصحّة والبريد لولاية سوسة وهكذا ... ( يصلكم تقرير مصاحب و مفصّل عن الثروات الطبيعية والبشرية وإمكانيات التنمية المستدامة بالقصرين )
وحيث أنّ الحكومة التّونسيّة مازالت ترفض تطبيق مبادئ الحكم الرّشيد والعدل بين الجهات وقيم التكافل والعدالة الاجتماعيّة في مخالفة صريحة لتوطئة الدّستور ومازالت ترفض تطبيق الفصل 10 منه والمتعلّق بالنظام الضريبي العادل ومحاربة التهرّب والغش الجبائييّن والفصل 12 منه والمتعلّق بالعدالة الاجتماعيّة والتّمييز الايجابي والتّوازن بين الجهات كما ترفض تطبيق الفصل 14 منه والمتعلق بدعم اللامركزيّة بين الجهات حيث مازالت ولاية القصرين ولاية تابعة في مجالات التعليم والصّحّة والماليّة والاستثمار .
وباعتبار ما تقدّم من شرح وما ثبت لدينا من قناعة بأن ولاية القصرين تتعرّض لسياسة التّهميش المقصود والمدروس وبأنّ أهلها يتعرّضون الى التّجويع المتعمّد وحيث أنّ تونس دولة عضو بالأمم المتحدة منذ 12/ 11/ 1956 وصادقت على الاتفاقيات والمعاهدات الدوليّة المرتبطة بحقوق الانسان وحقوق الشعوب في الحياة وتقرير المصير ،
وحيث صادقت على الإعلان العالمي الخاص باستئصال الجوع وسوء التغذية الذي أقرته الجمعية العامة في قرارها 3348 (د-29) المؤرخ في 17 ديسمبر 1974 ولم تعترض على فصل أو فقرة منه .
وحيث صادقت في مؤتمر العمل الدولي سنة 1989 على الاتفاقيّة عدد 168 بشأن النّهوض بالعمالة والحماية من البطالة التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، يوم 21 جوان 1988، في دورته الخامسة والسبعين ،

وحيث وقّعت تونس على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتاريخ 30 أفريل 1968 وصادقت عليه بتاريخ 18 مارس 1969 ولكنها لم تلتزم بما فيه من بنود وإجراءات ودليلنا الاضافي تعليق اللجنة الدولية المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية علي التقرير الدوري الثاني المقدم من تونس فيما يتعلق بإعمالها لالتزاماتها تجاه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية، وقد ورد نص هذا التعليق في الوثيقة E/1999/22 1969 وخاصّة النّقطة 162 من الجواب و 163 و 164 و 166 و بالتّأكيد 168 المتعلّقة بالتفاوت بين الجهات .
وحيث وقّعت تونس على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بتاريخ 30 أفريل 1968 وصادقت عليه بتاريخ 18 مارس 1969 ، ثمّ صادقت على الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يخص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنبثقة للنظر في شكاوى الأفراد المقدمة ضد الدول ، حسب الأمر الصّادر بالرّائد الرّسمي للجمهوريّة التونسيّة عدد 551 لسنة 2011 مؤرخ في 14 ماي 2011 . ولم تعلن انسحابها منه ، ما يجعل اختصاص اللجنة في استلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الداخلين في ولاية الدّولة التّونسيّة أمرا قانونيّا بحسب المادّة 1 من البروتوكول .
وهذا ، ما يخوّل لنا اللّجوء الى هذه اللّجنة الدّوليّة ، أمام عدم اختصاص القضاء التّونسي من جهة واستنادا الى المادّة 5 من البروتوكول ، ودعوتها الى التّحقيق في امكانيّة حصول تجويع متعمّد وتهميش مقصود لسكّان ولاية القصرين منذ 1956 تاريخ الاستقلال ،لأسباب اقتصادية منها تحويلهم الى خزّان من العمالة الرّخيصة ولأسباب سياسيّة هدفها تركيع أبناء القصرين ومعاقبتهم وتدجينهم بسبب تاريخ الولاية الحافل بالثورات ، ما يعتبر خروجا على الاعلان العالمي لحقوق الانسان من ديباجته الى موادّه 2 و 22 و 23 و25 و 26 .
وحيث أنّ التجويع المتعمّد مُصنّف ضمن قائمة الجرائم ضدّ الانسانيّة وهي من الجرائم التي تنصّ عليها عالميّة الاختصاص القضائي بموجب القانون الدّولي ومن الجرائم الخاضعة لاختصاص محكمة الجنايات الدّوليّة حسب المادّة 5 من نظام روما وعنوانها الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ، وحيث أنّ الجمهوريّة التونسيّة هي الدّولة رقم 16 التي وقّعت على نظام روما الأساسي بموجب المرسوم عدد 4 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 وهو ما يجعل تونس خاضعة لسلطة محكمة الجنايات الدّوليّة .
وحيث أنّ هذه المحكمة مكمّلة للاختصاصات القضائيّة الجنائيّة الوطنيّة وتعتبر الملاذ الأخير ، فتحقّق وتحاكم فقط في حالة فشل المحاكم الوطنية في القيام بذلك عملا باختصاصها التكميلي الوارد بديباجة القانون الأساسي ، وأمام عدم اختصاص القضاء التونسي بمختلف مجالسه ومحاكمه للنّظر في الجرائم ضدّ الانسانيّة ،
وحيث أنّ للمدّعي العام لمحكمة الجنايات الدّوليّة أن يباشر التّحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلّقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة بحسب المادّة 15 من نظام روما والفقرة 1 منه .
وحيث أنّ المحكمة وبحسب اختصاصها الزّماني ، تستطيع النظر فقط في القضايا المرتكبة في أو بعد 1 جويلية 2002. وبالنسبة للدول التي انضمت لاحقاً بعد هذا التاريخ، تقوم المحكمة آليا بممارسة سلطتها القضائية في هذه الدول ابتداءَ من تاريخ مصادقتها على الاتفاقية ،
فإننا نتوجه الى المحكمة الدّوليّة لمقاضاة الحكومة التّونسيّة بجريمة التّجويع المتعمّد ضدّ متساكني ولاية القصرين ابتداء من سنة 2011 الى اليوم ومطالبة المدّعي العامّ بمباشرة التحقيقات وتقديم ما لدينا من أدلّة وتقارير وأشرطة وتحقيقات شاركت في اعدادها وجمعها جمعيّات ومنظّمات مدنيّة بالقصرين .

( غيّورون ع القصرين)


الحبيب دلهومي    تواصل مع كاتب العريضة