أنقذوا القصبة من الإندثار وضعها لا يتقبل الأعذار

                          بسم الله الرحمن الرحيم


عريضة للسيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
بخصوص إنقاذ و إعادة تأهيل موقع قصبة الجزائر العاصمة.


سيدي الرئيس، في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها بلدنا العزيز "الجزائر" على غرار العالم أجمع مع إنتشار فيروس كورونا كوفيد 19 و ما شهدناه من إدارة حكيمة رشيدة تسامت في أعيننا جميعا و ترسخت في أذهان العالم أجمع أن الجزائر هي بلد الأمن و الأمان، و أن المواطن الجزائري أصبح في ظل قيادتكم الرشيدة مضرب الأمثال من حيث الإهتمام به داخل الوطن وخارجه و تجنيبه كل ما يلحق بهم من أذى أو ضرر ، من خلال إجراءات التكفل التام بمرضى الجائحة العالمية و إجراءات الحجر الصحي الخاصة بالذين تم إجلائهم من مختلف دول العالم، و توسعت هذه القيادة الراشدة لتشمل أيضا حماية أحد أهم الشواهد المعمارية التي تعكس مرحلة مهمة من تاريخنا الطويل و لعل قرار الإسراع في إطلاق عملية رد الإعتبار لمساجدنا العتيقة المنتشرة بمختلف ربوع الوطن و المباشرة في صيانتها و ترميمها لأكبر دليل على صدق نواياكم في الحفاظ على الموروث الثقافي للجزائر.

سيدي، إن واجب الوفاء لهذا الوطن و الغيرة على مقوماته و تراثه جعلنا كمواطنين لهذا البلد الذي إجتمعت فيه عدة ثقافات و تعاقبت عليه مختلف الحضارات، حيث شكل ثان مهد للبشرية بدليل ما أسفرت عنه الإكتشافات الأثرية الأخيرة بموقع عين لحنش، نتطلع من سيادتكم الإلتفات إلى أحد أهم المطالب التي تشغل تفكير مختلف شرائح المجتمع صغيرهم قبل كبيرهم من الجنوب إلى الشمال و من الغرب إلى الشرق، ألا و هو الإسراع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه لأبرز المعالم المعمارية لاحدى أعرق المدن الجزائرية ألا وهي قصبة الجزائر المصنفة ضمن التراث العالمي منذ 1992 م، بكل ما تحمله من زخم تاريخي ومعماري وفني يعكس عراقة المجتمع الجزائري وتوغله في التاربخ، فهي أمازيغية الأصل و تحمل في هندستها التأثيرات الأندلسية.

سيدي، إن قصبة العاصمة الجزائر شهدت مرور أقدم الحضارات وعرفت بعدة تسميات إيكوسيم الفينيقية و إيكوزيوم الرومانية، قبل أن تزينها عروس المدن الجزائرية خلال العصر الإسلامي من طرف زيري بن مناد الصنهاجي لتصبح جزاير بني مزغنة في الفترة الوسيطة ثم زادت توسعا و عمرانا إبان فترة قيام الدولة العثمانية بالجزائر المحروسة حيث شيدت بها عدة قصور بإعتبارها مقر السلطة السياسية آنذاك أهمها قصر الداي بدار السلطان لتعرف بعد دخول المستعمر لوطننا زوال الكثير من معالمها التي هدمت من قبل الترسانة الفرنسية و تم تشييد مباني حديثة على أنقاضها و كان ذلك لغرض طمس هويتها و لكن ما تبقى من جدراننا إحتضن أهم ثوراتنا الشعبية النوفمبرية وصولا إلى تمتعنا بالسيادة الوطنية.
سيدي الرئيس، إنقاذ قصبتنا من الإندثار هو إنقاذ أيضا لإخواننا المواطنين القاطنين بها، و الذين بالرغم من معاناتهم من أوضاع إجتماعية مزرية، إلا أنهم إذا خيروا بين منحهم سكنات جديدة مقابل تهميش القصبة العزيزة فسيختارون زوال نسلهم على أن يشهدوا زوال قصبتهم التي تشكل إرث حضاري تحفظ بين جدرانها معالم تعكس هويتنا و تحكي تاريخنا .
سيدي الرئيس، إن إنقاذ القصبة العاصمية هو إنقاذ لهوية و تاريخ الدولة الجزائرية .
سيدي الرئيس، نريد أن يدوم شموخ القصبة العريقة التي تمثل شموخ الجزائر و تجسد تاريخها و تعزز إنتماء رجالها و نسائها .
سيدي الرئيس، نريد أن نتباهى بقصبتنا كما يتباهى أشقاؤنا المغاربة و التونسيين بقصباتهم .
سيدي الرئيس، نريد أن تنافس قصبتنا أهرامات الفراعنة بمصر و آثار بابل بالعراق و قلعة بعلبك بلبنان .
سيدي الرئيس، نريد لأبناء وطننا من سكان القصبة الكرامة في بلد الكرامة .
سيدي الرئيس، نريد لإخواننا من سكان القصبة الطمأنينة في جزائر السلام .
سيدي الرئيس إن إطلاق مشروع إنقاذ القصبة هو في نفس الوقت إطلاق شعاع الأمل لشبابنا الجامعيين المتخرجين من مختلف مجالات التراث الثقافي المادي، بتوفير فرص عمل لهم، و بالتالي إمتصاص ظاهرة البطالة .
سيدي الرئيس، إن الشباب الجزائري لديه من الكفاءة ما يعادل كفاءة أكبر الدول العالمية و هو قادر على رفع التحدي و التدخل فقط من أجل إنقاذ قصبتنا إذا لقي الثقة اللازمة و الإحتفاء الأمثل .
سيدي الرئيس، نحن بخطابنا هذا لا نريد لوما و لا عقابا لمن ساهم في تدهور قصبتنا، بل ما نريده حاليا هو فقط التدخل السريع لإخراج قصبتنا من الظلام إلى النور كما ينص عليه القانون الوطني 04 / 98 المتعلق بحماية التراث الثقافي و ما بنص عليه القوانين و المواثيق الدولية .
سيدي الرئيس، بكل مصارحة فإن القصبة العاصمية ليست مجرد إرث حضاري عادي بل هي شاهد مادي ثقافي يمكن أن يشكل معلما سياحيا عالميا بإمتياز و موردا إقتصاديا هاما يساهم بفعالية في تحسين الدخل القومي، و بالتالي إعطاء دفع كبير لخزينة الدولة من دون أدنى شك.
و من هنا و في هذه الأيام المباركة من شهر شوال نتوجه بمطلبنا نحن الموقعون أسفله إلى

سيادة رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الجديدة عبد المجيد تبون وكلنا أملا في إيجاد قرار سيادي موفق يخرج قصبة العاصمة من الظروف الصعبة التي تمر بها، سائلين الله الخير و الأمن و الأمان لجزائرنا التي ضرب شعبها الحر للعالم أجمع مثالا في السلام.
تحيا الجزائر
و المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار


بقلم المواطن السيد خليفة ضيفي _ أثري مختص في الصيانة و الترميم.

 difi.kh@gmail.com  /  0542-60-64-21


الجزائر في 10 – 06 – 2020