بيان إلى الرأي العام دفاعا عن حرية التفكير و ضد جريمة التكفير

 :نحن الممضين أسفله نرفع الى الرأي العام الوطني البيان التالي  تنديدا بجريمة التكفير ودفاعا عن حرية التفكير والضمير  

- مرة أخرى ترتفع أصوات التكفير  المنكرة   في وجه  واجب الاجتهاد العقلي،   وحرمة  التفكير، وحرية الضمير بمناسبة  ما عبر عنه الأستاذ يوسف الصديق في إحدى الفضائيات التونسية من رأي  في شأن من شؤون الفكر الإسلامي.

- واذ ندين بشدة كل من سولت له نفسه تشويه أفكاره، فضلا عن تعمد  تكفيره ،فإننا نؤكد له  تضامننا اللاّمشروط  معه، ونعرب لشعبنا -مرة أخرى  -عن تجندنا لحماية قداسة  حرية التفكير  وحرمة الحياة الشخصية والاختيارات الفردية.

-واذ  نقدر ان الفكرة -مهما كانت- لا يردّ عليها الا بالفكرة، والرأي لا يواجه إلا   بالرأي، فإننا نؤكد   أن مثل هذه  الممارسات التكفيرية  الإجرامية  قد ولّى عهدها  قانونيا،  بمقتضى أحكام دستور الدولة التونسية،من ناحية ،وثقافيا، من ناحية أخرى بفضل ما اكتسبته شرائح واسعة من الشعب التونسي من فكر نقدي أكسبه فضائل الاقتصاد في  الاعتقاد، والتسامح في اصطفاء  الرأي، والاعتدال في اتخاذ الموقف. غير أنّ ما يطالعنا به البعض بين الفينة والأخرى من مواقف جمعت بين ظلمة الفكرة وظلم الفعل،  يحملنا  على الاعتقاد أن قوى  اجتماعية –سياسية  ديدنها التمعش من استغلال العقيدة سياسيا، تسخّر هؤلاء التكفيريين لاستثارة  الحمية الدينية.

- وإذ  نقدّر أن التكفير عامة  انما هو من تقنيات  الأحزاب الدينية  في كسب الأنصار، فاننا نعتبر  أن التكفيريين الذين استغلوا انفتاح  الإعلام التونسي للطعن  في غيرهم،انما  هم كتائب متسترة في خدمة جميع أطياف "الإسلام السياسي"، لاسيما وان الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية والرئاسية على الأبواب. لذلك كان  على جميع الأطراف التي أوقعت نفسها في هذه الورطة السياسية –الأخلاقية –الدينية أن توضح مواقفها من التكفير عامة ومن جملة ما قد يكون في ثقافة  المسلم من تقاليد يحسبها التكفيريون –وهما و إيهاما- من أركان الإسلام. فلا سبيل اليوم الى تصنع تزكية دستور يقوم على حرية المعتقد  وعلى المساواة بين الذكر والأنثى  وعلى تجريم التكفير، للتظاهر  بالانخراط في قيم الديمقراطية من ناحية، والتمنع  بشتى السبل –من ناحية أخرى-    عن الالتزام بتلك القيم  قولا وعملا. فلا ديمقراطية بدون حريات فردية واحترام كامل لحقوق الإنسان  في كونية قيمها وشمولية مجالاتها.

-وإذ نعتبر أنّ الحرية  أعز ما في  مكاسب التحولات  الوطنية الراهنة، فانه لابد من الاعتراف أنها أكثرها هشاشة، اذ كثيرا ما يتوسل بالحرية لنفي الحرية، وكثيرا ما تتخذ الانتخابات الديمقراطية  وسيلة للانقضاض على الديمقراطية، على ما تشهد به مثلا التجربة الألمانية في النصف الأول من القرن الماضي.

-واذ كنا نقدر كل التقدير ما تبذله شرائح واسعة من  الإعلاميين الوطنيين  من جهود محمودة  لتنوير الرأي العام، ونشر  قيم الديمقراطية، والتبصير بروح العقلانية الحديثة، 

فإننا ندعو الجميع –أفرادا ومؤسسات – الى مراعاة خصوصية مرحلة الانتقال الديمقراطي بما فيه من مصاعب متعددة الأبعاد يسهل استغلالها لزرع الفتنة  ونشر ثقافة الحقد وروح التظنن بين التونسيين، لاسيما وهم يخوضون معركة شرسة ضد الفساد بجميع أنواعه  بما له من سطوة مالية ومن  خدم  لا يحصى لهم عدد. لذلك كان على الجميع، حكومة ومنظمات وطنية وجمعيات  مدنية، و مربين و مثقفين واعلامييين، مزيد اليقظة  حتى لا يختلط  في الأذهان والوجدان الوهم بالواقع، ولا الخطأ بالحقيقة. فليس  أخطر على الشعوب من انتشار الشك في قدراتها، أو الزهد في مشاريعها وطموحاتها،ولاسيما في مراحل التحولات التاريخية العظمى  مثلما هو شأن تونس الطامحة اليوم  الى الارتقاء من مرحلة الدولة الوطنية إلى عهد  الدولة الوطنية الديمقراطية ودولة القانون المدني و الحرية وحقوق الانسان.