السّيّد وزير التّجهيز

السّيّد وزير التّجهيز
السّلام عليكم.

الحضارات صنعة الإنسان، والمهندسون المعماريون يجسّمونها، حيّةً، بين النّاس تسعى؛ ونحن المهندسون المعماريون التّونسيون لا نطلب إلاّ أن نمارسَ ذلك الفعل لنؤدّيَ ذاك العمل.
حنّبعل، وعقبة بن نافع، وأبو محمّد محرز، ورجال كثيرون غيرهم، كانوا ومازالوا مبعث نخوة لنا وفخر؛ وقرطاج، والقيروان، وتونس، ومدن كثيرة غيرها، كانت ومازالت مبعث عزّة. هؤلاء الرّجال طبعوا تاريخنا؛ وتلك المدائن، هي تونس الأمس، وتونس اليوم، وتونس الغد. تلك المدائن هي الإرث الذي ورثنا، وهي الميراث الذي نخلّف. وما كان لأحد من أولائك الرّجال العظام أن يصنع تاريخا، لو لم يكن ثمّة ناس من عامّة الشّعب يبنون ذلك الأثر لبنةً لبنة.
إنّه لمن الخيانة لأجيال المستقبل أن يُحرم المهندسون المعماريون من كتابة الصّفحات التي تعود إليهم في دفتر الثّورة.
السّيّد الوزير؛
على امتداد عقود خمسة، سهرنا نتعلّم، وجاهدنا من أجل أن نفهم ونستوعب، وحاولنا كلّنا أن ننجح، ونداوم بكلّ ما لدينا من جميل الرّغبة والطّموح وبكلّ ما فينا من سَمْحِ القيم. ولكنّ الحاكم بأمره حينها ما كان يريد لصفحة أن تُكتب، إلاّ بالفساد والغشّ والرّشوة والتّجهيل. وعلى امتداد تلك الحقبة السّوداء، كانت الإدارة التي تتحمّلون أوزارها اليوم، تؤسّس لتلك السّياسة الغاشمة؛ ولا شيء يوحي لنا اليوم، بعد مرور سنة على اندلاع تلك الثّورة المباركة، أنّ شيئا ما قد تغيّر، أو قد يتغيّر.
فانعدام الشّفافيّة، بل العتمة الطّاغية على التّعيينات في الدّراسات المعماريّة مازالت قائمة، تراوح مكانها، وتقتات من المحسوبيّة والرّشوة والفساد؛ ولا شيء في الأفق يوحي أنّ تلك الغمّة ستنجلي يوما ما؛ وأنّ تلك الممارسات المشينة قد ولّت إلى غير رجعة؛ وكلّ ما نرى ونشاهد يوحي أنّ اليوم شأنه شأن الأمس.
السّيّد الوزير؛ 
أنتم اليوم، وزير في هذه الحكومة الشّرعيّة التي أفرزتها انتخابات شرعيّة، هي مبعث فخر واعتزاز لشعب صنع واحدة من أنبل الثّورات. ونحن معماريون من هذا الشّعب وإلى هذا الشّعب، نسمح لأنفسنا أن نستحثّكم حتّى تأذنوا بالقطع مع الممارسات الضّالة التي كانت ومازلت دارجة في الإدارة التي تتولّون شأنها، عسى تلك الحركة النّبيلة منكم تعيد إلى المهندسين المعماريين التّونسيين، شيبهم وشبّانهم، بعضا من كرامتهم ومن حقّهم في الإسهام في بناء وطنهم وحضارة وطنهم.

والسّلام